بعد النووي العراقي.. القرصنة الصومالية

Publié le par ahmed

 

 بعد النووي العراقي.. القرصنة الصومالية !

نشر بجريدة صوت الأحرار الجزائرية يوم: 24 نوفمبر 2008

 

ما يجري في مياه القرن الإفريقي يطرح العديد من التساؤلات ويثير الكثير من المخاوف على مصير هذه المنطقة. المعطيات المتعلقة بالبحر، تقول أن لكل مركبة بحرية ميناء ربط Un port d’attache، وان المركبات الصغيرة غير مجهزة، وغير مؤهلة، ولا قادرة على المغامرة في أعالي البحار؛ فحتى المراكب البحرية العسكرية، التي تعد من أقوى المراكب، كثيرا ما تواجه صعوبات جمة أثناء تنقلاتها في هذه المناطق، خاصة عندما تكون الأجواء المناخية مضطربة؛ ثم أن القرن الإفريقي بالذات، لا يخلو من قوات بحرية أمريكية وأوروبية متواجدة بشكل دائم، تراقب كل البواخر التي تمر وتسهر على حماية أمن مركباتها. في وضع كهذا، فان التساؤلات التي تطرح هي: ما نوعية المراكب التي يستعملها القراصنة في تتبع البواخر الكبيرة والسيطرة عليها؟ وكيف لا تتمكن القوات البحرية الغربية، إضافة للبحرية اليمنية والأريتيرية والسعودية وحتى المصرية، من اكتشاف تحركات القراصنة في البحر والقضاء عليهم قبل القيام بمهامهم؟ وهل عجزت كل التكنولوجيات الغربية، من أقمار صناعية إلى محرك البحث غوغل الذي يصور الكرة الأرضية شبرا شبرا، في مراقبة هذه المنطقة؟ وأخيرا ما سبب الارتفاع المفاجئ في عدد عمليات القرصنة التي بلغت 11 باخرة خلال الأسبوع الماضي فقط؟ يقول (بوتنجال موكوندان)، مدير المكتب الدولي للنقل البحري، بأن قراصنة الصومال ينطلقون بزوارق صغيرة وسريعة من سفينة كبيرة ، وغالبا ما يهاجمون السفن حتى على بعد 200 ميلا عن الشواطئ في عرض البحر.. الغريب في الأمر، هو أنه توجد، إذن، سفينة (أو سفن) كبيرة تستعمل كقاعدة انطلاق، مما يفترض، حسب المنطق، أن تقوم القوات الغربية المرابطة بالمنطقة، بالبحث عنها وتدميرها؛ وهو ما يؤكده نفس المسؤول الدولي عندما يقول بأن "الصومال لا تستطيع التعامل مع القراصنة، وأن البحرية الدولية، أي السفن الحربية التابعة للدول الكبرى التي تجوب المنطقة، هي فقط من تستطيع وقف هجمات القراصنة". إضافة إلى ما قاله هذا المسؤول الدولي، فان آخر بحار يستطيع أن يؤكد بأنه من الصعب على القوارب الإبحار والقيام بعمليات السيطرة على بواخر كبيرة، يصل طولها أحيانا 300 متر -أكبر من ملعبين لكرة القدم- خاصة في أعالي البحار. معطيات عديدة تؤكد المنحى الخطير الذي ستأخذه هذه القضية التي يعتقد أنها محل مؤامرة كبيرة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. وصول أوباما للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية يعلن عن انتهاء مهمة قوات هذا البلد بالعراق. الجيش الأمريكي أنجز مهمة تدمير هذا البلد العربي الذي تؤكد كل المعطيات أنه لم يعد يشكل أي خطر على أمن إسرائيل، ولا على أمن دويلات الجوار ولا حتى على أمن البعوض، وأنه لن يقف على قدميه، ولن يعود إلى المستوى الاقتصادي والعسكري الذي كان عليه أيام صدام، ولن يتوحد فبل مرور نصف قرن من الزمن على الأقل. الجيش الأمريكي الذي يتكبد يوميا خسائر بشرية معتبرة على أيدي المقاومة العراقية، من مصلحته الآن تجنب الهزيمة والخروج سريعا من المستنقع العراقي. بعد ضمان "الجبهة العراقية"، فأن أهم منطقة اليوم من الناحية الإستراتيجية والطاقوية، هي القرن الإفريقي. من يسيطر على القرن يحكم قبضته على واحد من أهم ممرات التجارة الدولية ويتحكم في منابع البترول بالمنطقة، ويشكل عامل ضغط معتبر على إيران. كما وقع بالنسبة للعراق الذي أتهم بحيازة الأسلحة الكيماوية والنووية وإيواء الإرهابيين وغير ذلك من التهم التي ألصقت بقيادة هذا البلد، وبررت وضعه في قائمة محور الشر، وأعطت "الشرعية الدولية" للولايات المتحدة الأمريكية لاحتلاله وتدميره، فأن نفس الشيء يخطط اليوم لمنطقة القرن الإفريقي، حيث سيمكنون القراصنة من تطوير وسائل عملهم، ويجعلونهم يستولون على المزيد من البواخر ومن جنسيات مختلفة، ويحتجزون المزيد من الرهائن، وسيحولون كل المنطقة المائية القريبة من القرن الإفريقي إلى أكبر مساحة للقرصنة في العالم. عندما يصل الوضع إلى هذا الحد، يصبح تدخل القوة الأمريكية شرعيا بل ومطلبا لكل الدول الضحية للقرصنة وعلى رأسها المملكة السعودية التي تعرضت سفينتها (سيروس سطار)، المحملة بشحنة من 300000 طن من البترول، وكذلك جمهورية مصر القلقة من تأثير القرصنة الصومالية على الملاحة بقناة السويس التي تحتل عائداتها المرتبة الثالثة من مداخيل الميزانية المصرية بعد السياحة وعائدات المصريين المقيمين بالخارج. تفحص جنسيات البواخر التي تتعرض للقرصنة (أوكرانية، سعودية، يابانية، تايلاندية، صينية.. )، يتضح أن لا أحد بمنأى عن ذلك، مما يجعل معظم دول العالم توافق على أي حل لتوقيف هذا الخطر الداهم على التجارة العالمية، خاصة مع ما يعرفه العالم من كساد. الخطة الأمريكية للسيطرة على منطقة القرن الإفريقي بدأت منذ عدة سنوات من خلال التدخل العسكري المباشر في الصومال ومن خلال ضرب وحدته واستقراره، وإضعاف قدرات المقاومة لديه، ثم بدعم الحكومة الحالية العاجزة عن تحرير البلاد من التواجد العسكري الأثيوبي أو توحيد صفوف مواطنيها حول برامج تضمن حاجياتهم الأساسية. الدول الكبرى، التي وجدت نفسها خارج الاستفادة من البترول العراقي بعد أن حكمت أمريكا سيطرتها عليه، هذه الدول لا تريد أن تجد نفسها خارج لعبة القرن الإفريقي، لذا بادرت للتواجد، عبر وحداتها البحرية، في المنطقة. روسيا، أكدت على لسان وزيرها للخارجية، بأن الأمر لا يعني القيادة الصومالية وحدها، فهناك-كما قال- " قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين هذه التجاوزات وتفوض الدول التي تمتلك قدرات عسكرية لإيقاف مثل هذه الممارسات ". هذا الكلام معناه أن روسيا تصر على مشاركتها في أي عمل عسكري بالمنطقة، وبعض وحداتها البحرية موجودة بالفعل في مياه القرن الإفريقي. المجموعة الأوربية، برئاسة فرنسا، وافقت منذ أسبوعين على القيام بأول عملية بحرية منذ نشأتها، لمحاربة القرصنة أمام الشاطئ الصومالي وفي خليج عدن. العملية ستبدأ مع أوائل ديسمبر. لحد الآن أعلنت أربع دول المشاركة فيها، وهي: فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة واسبانيا. الحلف الأطلسي، من جهته، طالب بتعاون دولي لمواجهة الظاهرة، لكن أمينه العام أكد في تصريح خلال زيارته مؤخرا لغانا بأنه " لا يرى ضرورة لاشتراك الحلف في أي عمليات برية ضد قواعد القراصنة في المنطقة". مما يعني أن الأمر سيوكل لقوات دولة، أو دول معينة. اليمن، هو البلد العربي الوحيد الذي يبدو أنه أدرك أبعاد المؤامرة، مما جعل وزيره للخارجية يصرح بأنه على دول المنطقة القيام بمحاربة القرصنة على حدودها المائية، منبها إلى الخطر الذي يمثله تدويل القضية بالنسبة لأمن واستقرار الدول العربية.. لكن يبدو أن الآلة الأمريكية قد تحركت فعلا في اتجاه القرن الإفريقي، ولا شك أن الأيام المقبلة ستحمل الكثير من المفاجآت بالنسبة لهذه القضية.. وسيتم احتواء هذه المنطقة من العالم بمباركة من ذلك الشيء المسمى "منظمة الأمم المتحدة" وبسكوت الشيء الآخر المسمى "جامعة الدول العربية".. بالمناسبة، الصومال هو بلد مسلم وعضو في هذه "الجامعة".

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article